مبحث النزول: ــــ

شذرات من المحاضرات
العلامة الشيخ محمد المنتصر بن الشيخ محمد بن العلامة الشيخ إدريس الأزيرق
عضو جماعة علماء السودان

مبحث النزول: ــــ
ورد في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( ينزل ربنا تبارك وتعالي إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فاستجب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فاغفر له . )

1- النزول من صفات المخلوقات ويتوقف علي ثلاثة أجسام منتقل .. منتقل عنه.. منتقل إليه ، والله ليس بجسم وهذا محال علي الله .

2- القائل بان الله فوق العرش أي مستقر عليه كفهم المجسمة ، كيف يري أن سماء الدنيا تسعه تعالي، وهي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة ، فيلزم عليه احد الأمرين : إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتي تسعه ، أو تضاءل الذات المقدسة عن ذلك حتي تسعها السماء ونحن نقطع بانتفاء الأمرين وكلاهما باطل .

3- علي زعم من يقول بان الله علي العرش فالأرض لا تخلو من ليل فجزء ليل وجزء نهار وينعكس الأمر فإذا ًنزل علي زعمهم إلي الجزء الأول من الأرض وهو الليل، فإذا اقبل الليل في الجزء الثاني فهو كذلك في السماء الدنيا، إذا العرش خالي من الله في كل يوم، فهذا يبطل قاعدة أن الله على العرش، وذلك حسب قواعدهم وكل ذلك باطل .

إذا ًالنزول الذي يعني الانتقال من اعلي إلي أسفل هو من صفات الجسم- كقوله تعالي وأنزلنا من السماء ماء طهورا )- محال علي الله لأنه ليس بجسم، فالنزول معنوي مجازي واليك النماذج :ــ

1- قال تعالي: ( وانزل السكينة عليهم ) فنزول السكينة معنوي أي خلق الطمأنينة في قلوبهم .

2- قال تعالي فانزل الله سكينته علي رسوله ).

3- قال تعالي: ( وأنزلنا الحديد ) فالحديد لم ينزل من السماء بل بمعني الخلق والإيجاد .

4- قال تعالي: ( وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) فالأنعام لم تنزل من السماء بل المعني خلقنا وأوجدنا .

5- قال تعالي نزل به الروح الأمين ) يعني الإعلام .

6- سأنزل مثل ما انزل الله ، بمعني القول أي سأقول مثل ماقال .

7- النزول يأتي بمعني الإقبال علي الشي ، مثال : نزل فلان من مكارم الأخلاق .

8- النزول بمعني الحكم ، مثال : كنا في خير وعدل متي نزل بنا بنو فلان أي حكم ،

وذلك كله متعارف عند أهل اللغة .

إذا ًالنزول في الحديث يؤول بالاتي :

1- النزول معنوي مجازي :

ويعني الإقبال بالرحمة علي أهل الأرض، قال مالك بن انس رضي الله عنه: ( ينزل أمره أما هو فدائم لا يزول )

قال البيضاوي صاحب التفسير :

[وكما ثبت بالقواطع انه سبحانه وتعالي منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول علي معني الانتقال من موضع إلي موضع انتفي منه فالمراد دنو رحمته أي ينتقل من مقتضي صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلي مقتضي صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة ]. راجع فتح الباري على البخاري لابن حجر في باب الدعاء والصلاة آخر الليل حديث النزول.

2- إسناد مجازي في الحديث :

والإسناد المجازي موجود بكثرة في القران والسنة وأمثلة ذلك :

ا/ قال تعالي: ( الله يتوفي الأنفس حين موتها ) فإسناد التوفي المباشر ولكن في الحقيقة ملك الموت بدليل قوله تعالي: ( قل يتوفاكم ملك الموت ) .

ب/ قال تعالي: ( وإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) وفي الحقيقة الذي يقراه للنبي صلي الله عليه وسلم هو الأمين جبريل عليه السلام .

ج/ ( فأتي الله بنيانهم من القواعد ) والمعلوم أن الله لم يأت البنيان وإنما أتي عذابه وهلاكه وهذا كثير.

وفي السنة: تقدم حديث (عبدي مرضت ......) .

فالذي ينزل حقيقة هو ملك بدليل حديث أبي هريرة في النسائي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إن الله يمهل حتي يبقي شطر الليل الأول فيأمر ملكا فيقول هل من داع فيستجاب له ).

3- فُسِّر النزول بتفسير ثالث قال ابن فورك :[ إن الحديث مضبوط بضم أوله يُنزِل ربنا كل ليلة والمحذوف ملكا] . والحذف والإضافة معروفة في اللغة .

وخلاصة الأمر النزول معنوي مجازي يحمل علي التجليات التي تنزل علي قلوب قوامي الليل ولذا هنالك فوائد منها :

1- الغالب علي الإنسان في جوف الليل الكسل والنوم فلولا الرغبة الشديدة من نيل الثواب العظيم لما تحمل مشاق السهر ولما أعرض عن اللذات الجسمانية ،ولذا احتيج في الترغيب في الطاعة والعبادة بالليل إلي مزيد أمور تحرك دواعي الإقبال، ولذا اثني الله عي أهل الليل بقوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) وقوله تعالى تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ًوطمعا ًومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .

راجع في مسالة النزول [شرح العيني على البخاري] وكتاب [إيضاح الدليل لابن جماعة] وكتاب [أساس التقديس للفخر الرازي] و[دفع شبه التشبيه لابن الجوزي] وغيرهم ، فالسلف كلهم ينزهون المولي تبارك وتعالي عن الانتقال الحسي الذي هو إعتقاد فاسد والعياذ بالله .