شذرات من محاضرات
العلامة الشيخ محمد المنتصر بن الشيخ محمد بن العلامة الشيخ إدريس الأزيرق
عضو جماعة علماء السودان
حديث الجارية : ــ
اخرج مسلم في باب تحريم الكلام في الصلاة عن معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي جارية ترعي غنما لي قِبل أُحد والجوانية ، فاطلعت ذات يوم فإذا ذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني ادم آسف كما يأسفون لكنني صككتها صكة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليّ ، قلت يا رسول الله أفلا اعتقها ؟ قال ائتني بها فقال لها : " أين الله " قالت في السماء قال" من أنا ؟" قالت رسول الله قال :" اعتقها فإنها مؤمنة" .
أولا :ــ
هذا الحديث مضطرب ...... أي ضعيف .
قال صاحب المنظومة البيقونية :
وذو اختلاف سند أو متن
مضطرب عند اهيل الفن
قال ابن دقيق العيد : [ المضطرب هو ما روي من وجوه مختلفة وهو احد أسباب التعليل عندهم وموجبات الضعف للحديث .]
فالحديث مروي بالمعني[كما قال السبكي] واختلف واضطرب المتن وإليك :ـ
1- " أتشهدين أن لا اله إلا الله " قالت : نعم .
ورد بهذا اللفظ في مسند الإمام احمد بن حنبل .
- موطأ الإمام مالك .
- مسند الدارقطني .
- البيهقي .
ابن أبي شيبة . -
- الطبراني .
- عبد الرزاق .
- البزار .
2- " كانت الجارية خرساء فأشارت إلي السماء" .
ورد بهذا اللفظ :ــ
-ابن خزيمة .
- ابن الجوزي .
- ابن فورك .
- ابن عبد البر .
- الذهبي .
3- [" فمن الله؟" قالت من في السماء .]
وروي بهذا اللفظ عند الطبراني في الأوسط الكبير.
بهذا يتضح اختلاف اللفظ ووروده بأوجه مختلفة متقاربة فهذا الاضطراب
نموذج من العلماء الذين صرحوا باضطرابه وضعفه : ـ
1- الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير مجلد 3 ص223 ما نصه : ( وفي اللفظ مخالفة كثيرة).
2- الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ما نصه : ( وقد ذكرت في كتاب الظهار مخالفة من خالف بن الحكم في لفظ الحديث )
3- الحافظ البزار في كشف الأستار ج1/ص11 ما نصه : ( وهذا وقد روي نحوه بألفاظ مختلفة )
4- الإمام السبكي في السيف الصقيل ما نصه
تكلم الناس عليه قديما وحديثا والكلام عليه معروف ،لا يقبله هذا الرجل ـ يعني ابن القيم ـ لأنه مشاء على بدعة لايقبل غيرها )
والحديث مع اضطرابه وضعفه ورد في أبواب ليس لها علاقة بالعقيدة :ـــ
1- صحيح مسلم : باب تحريم الكلام في الصلاة .
2- سنن النسائي : باب تحريم الكلام في الصلاة .
3- موطأ الإمام: مالك باب العتق .
4- سنن أبي داوود : باب تشميت العاطس .
5- مسند أبي حنيفة : باب كفارة اليمين .
ثانياً :ــ
أ/ هذا الحديث يخالف المتواتر فالمتواتر أن النبي صلي الله ليه وسلم كان إذا أتاه شخص يريد الدخول في الإسلام يعرض عليه الشهادتين فإذا قالها حكم بإسلامه .
ب/ معروف أن خبر الواحد إذا عارض القطعي من القران أو المتواتر من السنة فانه ساقط الاستدلال ، قال الحافظ البغدادي في كتابه الفقيه و المتفقه :[ باب القول فيما يرد به خبر الواحد : وإذا روي الثقة المأمون خبر متصل الإسناد رد بأمور:
1- أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لان الشرع يرد بمجوزات العقول أما بخلاف ذلك فلا.....]
تنبيه :
أقول : العقل يقول خالق المكان والجهة يستحيل أن يفتقر لهما وإلا كان محتاجا فيلزم العجز وهو محال .
2- أن يخالف الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم انه لا أصل له أو منسوخ
(ذكر الحافظ البغدادي نحوه في كتابه الكفاية في علم الرواية)
ج/ النبي صلي الله عليه وسلم بين أركان الإيمان في حديث جبريل الذي سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فلم يرد فيه ولا في غيره أن الله في السماء.
ثالثا ً:ــ
المحققون من أهل العلم مع تسليمهم باضطراب الحديث فسروه منهم الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم لحديث الجارية حتي قال ما نصه :[لقد كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بانَّ الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعون استقبلوا السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة ، وليس لأنه انحصر في السماء وكما أنه ليس منحصرا ً في جهة الكعبة ، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين ، أو هي من عبدة الأوثان التي بين أيديهم ، فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان. ] أهـ .